يطرح كتاب "الأبعاد الخطابية والإقناعية في لغة النصوص القرآنية" إشكالية معرفية أساسية هي إمكانية مقاربة النصّ القرآني بآليات إجراية تداولية، ترصُدُ الأبعاد الخطابية والإقناعية في لغة النصوص القرآنية الموجَّهة إلى فئة مخصوصة من المخاطبين هم أهل الكتاب، وقد اخترنا هذا النوع من الخطابات القرآنية لوضوح الأسس الخطابية فيها، ولتلافي الوقوع في شبهة إخضاع النص للمنهج، بدلا من استجابة المنهج لخصوصية الخطاب.
يحاول البحث الإجابة عن سؤالين محوريّين، أَّوّلُهُما: أين تكمن الأبعاد الخطابيةُ والإقناعية في لغة النصوص القرآنية؟ وما مدى صدق الاعتقاد في أن المنهج الَّتّدَاولي من أنجع آليات تحليل الخطاب اليوم؟ وما مدى تكامل نظريات هذا الحقل المعرفي التي تبدو نظريا متباعدة، ينفصل بعضُها عن بعض، ونزعم أّنَّها تصبُّ في مجال واحد تتكامل في إطاره؟
وفي ضوء هذه الأسئلة، وفي سبيل تقديم الأجوبة المناسبة عنها قسّمنا هذا البحث إلى فصلين اثنين، يضم كّل منهما عددا من المباحث كالآتي: الفصل الأوّل: يمثل القسم الَّنّظري من البحث، ويضم ثلاثة مباحث، يسبقها تمهيد نظريّ، نتناول فيه مفهوم التّدَاوليّة ونشأتها وتطوّرها، والفرق بينها وبين اللسانيّات البنيويّة، زيادة منّا في البيان والتوضيح.
نتناول في المبحث الأوّل بعض المفاهيم التّدَاوليّة كالملفوظيّة، والافتراضات المسبقة، ومتضمّنات القول، والاستلزام الحواري ... وأفردنا أفعال الكلام والحجاج بمبحث خاص لكل منهما، بالنظر لأهميتهما وضرورة التّفصيل فيهما، مع شيء من التبسيط والاختصار، والابتعاد قدرَ الإمكان عن الإطناب إلا لضرورةٍ مقتضا؛ فتناولنا في المبحث الثاني قضايا أفعال الكلام والمفاهيم المتعلقة بها، وطرحنا في المبحث الثّالث قضايا الحجاج؛ وبعض الإشكاليات المرتبطة به، وأهمّ البحُوث المُنجزة حوله، والعلاقات الحجاجيّة، وشروط نجاح الخطاب الحجاجي...
ويأتي الفصل الثّاني ليربط الفصل الأوّل بمدوّنَة البحث، أي: الأبعاد الخطابية والإقناعية في لغة النصوص القرآنية الموجَّهة تحديدا لأهل الكتاب، وذلك من خلال التّطبيق على آيات مختارة من سورة آل عمران، فبحثنا الأفعال الكلاميّة فيها، ووقفنا على محتوياتها القضويّة، والقوى الإنجازيّة فيها، وأشرنا إلى ما تبدَّى لنا من قيم حجاجية في هذه الآيات القرآنيّة، وما تعلّق بها من آليات وروابط وعلاقات وعوامل حجاجيّة، ومظاهر أخرى كالاقتضاءات والأقوال المضمرة وغيرها. لنخلص في نهاية البحث إلى خاتمة لخصنا فيها أهمّ ما توصّلنا إليه من نتائج، وأبرز ما رأيناه ضروريّا من توصيات.